اقتصاديون يحذرون: الضريبة على تحويلات الوافدين بالكويت تثير المخاوف من نشوء سوق سوداء
الفيلي: فرض الضريبة من دون مبرر يشكل إخلالاً بمبدأ المساواة
أشعل توجه اللجنة التشريعية البرلمانية، لمناقشة اقتراح القانون المقدم من النائب فيصل الكندري، بخصوص فرض ضريبة على التحويلات المالية للوافدين غداً الأحد، النقاش بخصوص انعكاسات تطبيق هذا الإجراء، على خطط العديد من الجهات الحكومية وعلى مجتمع الأعمال، بحيث لم تخف العديد من هذه الجهات مخاوفها من تطبيق سياسة مالية متسرعة تزيد من مخاطر أعمالها.
وبعيداً عما يدور تحت قبة عبدالله السالم، والتحديات القانونية التي يمكن أن تضعف من تنفيذ هذا المشروع، وسط اتفاقيات الضريبة المزدوجة مع عدد من دول العمالة الأجنبية، والتي تتضمن شرط عدم فرض ضرائب على الدخل على العمالة المحلية والأجنبية، فضلاً عما سبق وتم طرحه من مشاريع قوانين مشابهة في مجالس الأمة السابقة والتي لم تبصر النور.
ويرى كثير من صانعي الخطط الحكومية وأصحاب الأعمال التجارية، علاوة على المؤسسات الدولية، أن فرض رسوم على تحويلات الوافدين، بمثابة تحد كبير من شأنه إعاقة خططهم ومشاريع التنمية المستهدفة في البلاد، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد أن تكون الإيردات التي ستنتج عن هذه الضريبة طفيفة قياساً بالناتج المحلي الإجمالي. من صندوق النقد الدولي، وهيئة تشجيع الاستثمار المباشر، مروراً بنك الكويت المركزي، والبورصة، وصولاً إلى البنوك وشركات الصيرفة، هناك تقاطع على التحذير من تبني هذا المقترح، ما بين مواقف مكتومة وأخرى صريحة.
فيما يُعتقد أن مثل هذه القرارات تصعب على الجهات المعنية بالترويج للكويت، خططها لتحسين بيئة الأعمال، وتحويل الكويت إلى نموذج أعمال مرن مستقطب للأموال وليس منفراً. ودعت مصادر مسؤولة، النواب ومن قبلهم اللجنة التشريعية، إلى الحذر من «كماشة» هذا المشروع، معتبرة أنه بدلاً من أن ينصب نظرهم على نصف الكوب الفارغ المتمثل في الإيردات المحققة من هذه الضريبة، فعليهم أن يستمعوا جيداً إلى نصائح المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الذي حذّر من أن دراسة بعض الدول الخليجية، إمكانية فرض ضريبة على تحويلات الوافدين والدخل، في الوقت الذي يشكّل فيه الوافدون نحو 90 في المئة من موظفي القطاع الخاص في هذه الدول. محلياً، من شأن هذه الضريبة إعاقة المبادرات التي تقودها هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، نحو استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية إلى الداخل، والتي تحتاج إلى حزمة مبادرات تحفيزية لريادة الأعمال، وليس أقلها توفير الحرية لانتقال رؤوس الأموال وتقليل تكلفتها، كما أنها تسهم في تغيير مفهوم الترويج للكويت استثمارياً، في ظل المبادرات التي تتسابق على تنفيذها جميع دول المنطقة، في مسعى منها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وربما يخرج هنا من يقول إن الضرائب المستهدفة ستكون على تحويلات الوافدين، وليس على أعمال الشركات التي تسعى «الهيئة» لاجتذابها، ولكن في استراتيجيات هذه الجهات ليس بالضرورة ناتج ضرب رقمين هو نفسه ما نعرفه حسابياً، فلو فرضنا أن هذه الضريبة لن تفرض على تحويلات المستثمرين الأجانب باعتبار أنهم مشمولين بضريبة الدخل المقدرة بنحو 15 في المئة، إلا أن مجرد فرض ضرائب على التحويلات لا يشجع المستثمر الأجنبي أو حتى المحلي، على طرح مشاريع سيضطر معها إلى رفع أجور عمالته الوافدة.
علاوة على ذلك، لدى المستثمر سواء الأجنبي أو المحلي، حساسية مفرطة من إمكانية سيطرة الرأي السياسي على القرار الفني، ومن أن يؤدي ذلك إلى وجود خلل مستقبلا، في منطقة معروف عنها أن المنافسة على المستثمر الأجنبي مشتعلة، وجميعها يعمل على تخفيف القيود على حرية انتقال رؤوس الأموال.
وبالطبع، الأمر لا يختلف كثيرا لدى مسؤولي البورصة، فمجرد طرح فكرة استحداث أي رسوم على المتعاملين في سوق الكويت من الوافدين والذي لم يدرج بعد ضمن الأسواق الناشئة، من الممكن أن يؤدي إلى تراجع حاد في مساهمة كتلة الأجانب بسوق الأسهم.
ومن ناحية البنك المركزي والذي أظهرت مواقفه مع مشاريع قوانين سابقة معارضته لهكذا توجه، والذي حذر في غير مناسبة، بأن هذا الموضوع شائكاً، وله انعكاسات غير ايجابية لجهة الناحية الاستهلاكية للوافدين، وعدم تطبيقه في غالبية دول العالم، كما سيؤثر على السياسة المالية حيث عمليات من ناحية جني الأموال، والتي يرى أنه في نهاية المطاف ستتحملها الشركات الوطنية والمواطن العادي، الذي سيطالب باعتباره رب عمل بزيادة أجر عمالته الوافدة.
والأخطر أن هذه الضريبة ستذكي الرغبة في عدم الخضوع لها، ما يقود إلى نشوء سوق سوداء لتحويلات الوافدين، في ظل وجود نظام الكتروني متطور يساعد في تطور عمليات التهرب الضريبي، وهنا تلتقي مخاوف الناظم الرقابي مع شركات الصيرفة وكذلك البنوك، بحيث من المتوقع أن يترتب على فرض ضريبة على تحويلات الوافدين، تراجع تنافسية القطاع.
ومن باب الاستدلال تتذكر هذه الجهات، الضغوضات التي تعرضت لها قبل قرار الحكومة المصرية تعويم الجنيه أخيراً، بحيث تراجعت تحويلات الوافدين من المصريين عبر السوق الرسمي بنحو 97 في المئة، ما أحدث أضراراً واسعة على مداخيل هذه الجهات، خصوصاً شركات الصيرفة التي تبنت حملة تفنيشات واسعة بين موظفيها.
وفي هذا الخصوص تلفت مصادر إلى أن التحدي المتأتي وقتها على شركات الصيرفة كان من جالية واحدة، في حين أنه مع تطبيق الضريبة فالمناخ سيكون مهيأ لوجود سوق سوداء تتسع لأكثر من 3 ملايين وافد من مختلف الجنسيات. وما يغذي هذه المخاوف أكثر، أن الشريحة الأوسع من هؤلاء الوافدين من العمالة غير الماهرة، تشكل في الخليج بحسب تقديرات صندوق النقد نحو 80 في المئة من إجمالي عدد الأجانب. من ناحيته، قال الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي، إن اقتراح القانون المتعلق بفرض ضريبة على التحويلات المالية للوافدين يمثل إخلالاً بمبدأ المساواة، مشيراً إلى أن اللجنة التشريعية البرلمانية ستتوقف أمام فكرة مبدأ المساواة، باعتبار أن اقتراح القانون المقدم في هذا الخصوص معني بتحويلات الوافدين فقط.
وأضاف الفيلي: «أمامنا اقتراح بقانون يدرس ضريبة التحويلات على الوافدين فقط وليس كل التحويلات، وهنا سيكون النقاش القانوني هل هذا الإخلال جائز أم لا»؟ مبيناً أن الإجابة على هذا السؤال تتوقف على العناصر الموضوعية التي تضمنها الاقتراح والتي تبرر عدم المساواة، ومنوهاً بأن هذا الأمر قابل للاستثناء لكن ذلك يعتمد على المبرارات الموضوعية».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا رأيك