زيادة رسوم الخدمات الصحية.. استبعاد للعمالة الوافدة

فوزي جادالكريم
بموازاة الحديث عن رفع اسعار السلع والخدمات المقدمة لشريحة الوافدين ومنها رسوم الخدمات الصحية وفي ظل تركيبة البلاد السكانية المختلة التي تصل فيها نسبة الوافدين الى 3-1 وسيطرتهم على بعض القطاعات المهنية كان لابد من البحث في القضية للوقوف على ابعادها المستقبلية ايجابا وسلبا وفي سبيل ذلك ناقشت النهار القضية من مختلف ابعادها وتوصلت الى حتمية التريث في القرار والوقوف على تبعاته قبل اقراره خاصة وان الوافدين ليسوا شريحة واحدة ولابد من التمييز بينهم كما ان الاصلاح منظومة شاملة لا تقتصر على رفع الرسوم والا فليس عدلا رفعها في ظل تردي الخدمات وشيوع البيروقراطية،فيما كان الرأي الاقتصادي ان الزيادة تشكل عبئا اضافيا على الوافد وتؤدي الى تضخم اقتصادي يؤثر على الجميع ويترتب عليه تسرب كفاءات يصعب تعويضها جراء الهجرة المعاكسة المترتبة على الزيادة حال اقرارها.. واجتماعيا يخلق القرار حالة من عدم الامان وخللا في العلاقات الاجتماعية والمهنية.
في البداية أكد رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية د. وائل الحساوي على ضرورة تقنين مسألة رفع الاسعار بهدف ترشيد الاستهلاك منوها الى ان رفع الاسعار بحد ذاته ليس خطأ مدللا على ذلك بسعر كيلووات الكهرباء الذي يدفعه المواطن والمقدر بفلسين في حين انه يكلف الدولة أضعاف ذلك ما لا يشجع المواطن على الترشيد. وقال اذا كان الهدف من رفع اسعار الخدمات هو الترشيد فهذه قضية مهمة ولابد ان نتقبلها وبخاصة في ظل ما يتردد عن عجز الموازنة بما يتطلب معالجات من بينها تقنين الدعوم مستدركا: ولكن يبدو ان المسألة لا تسير بهذه الطريقة اذ هناك ترشيد في ناحية وهدر في ناحية اخرى بمعنى ان هناك حالة من عدم التوازن.. تشديد على الفقير وعدم المساس بالغني. وأضاف الحساوي ان الوافدين ليسوا شريحة واحدة بل منهم البسطاء بما يتطلب تقنين مسألة الترشيد للتمييز بين شرائح الوافدين لا سيما وان الجزء الاكبر منهم لا تحتاجه البلد بل انهم ضحايا مافيا تجارة الاقامة التي تأتي بهم وتكدسهم في الشوارع بما يتطلب إعمال القانون وملاحقة المتجاوزين وان يكون استقدام العمالة بموجب دراسة حقيقية لاحتياجات الدولة بحيث يمكن ضبط هذه المسألة لما لها من تبعات خطيرة على الدولة.
منظومة شاملة
بدوره أوضح السياسي د. أحمد المنيس ان الاصلاح الاقتصادي لابد ان يكون ضمن منظومة شاملة لا تقتصر على رفع الرسوم فقط بل ان تشمل تنويع مصادر الدخل وتشجيع المستثمر الاجنبي وتسهيل القوانين ومعالجة الخلل الاداري وغير ذلك من أصلاحات لان رفع رسوم الخدمات في مقابل خدمات ادارية سيئة وبيروقراطية ستكون غير عادلة لان الدولة تحصل الرسوم مقابل خدمة.
أين التأمين الصحي؟
من جانبه، قال استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. عبدالله الغانم ان الوافد يدفع تأمينا صحيا للدولة بما يستوجب تأمينه صحيا، متسائلا هل شركات التأمين ملتزمة بذلك؟ واذا كان لابد من الزيادة فلابد ان تكون من خلال رفع قيمة بوليصة التأمين الصحي وليس من خلال دفع رسوم في كل مراجعة للمستوصف أو المستشفى لاسيما وان هناك شريحة كبيرة من العمالة الوافدة تقل مرتباتها عن المئتي دينار فماذا تفعل هذه الشريحة عند إقرار زيادة رسوم الخدمات الصحية والتي يفترض ان تكون تحت مظلة التأمين الصحي.
وعن دور صانع القرار في معرفة تبعاته قال : لا أعلم وجهة نظره والواجب ان يصدر القرار بعد دراسة كافة جوانبه خاصة وان قيمة صانع القرار الحقيقية تكمن في قدرته على التمييز بين ما يخدم وما لا يخدم والتفرقة بين الاراء المختلفة وان يكون صادقا في خدمة بلده خاصة وان هناك اراء تطرح لاهداف سياسية وحزبية وعليه ان يميز بين الصالح والطالح.
تبعات أمنية
أمنيا رأى الخبير الامني عميد ركن طيار متقاعد علي الفودري ان الزيادة لابد منها لمواجهة ما تنفقه الدولة من مبالغ طائلة على القطاعات الخدمية ومنها القطاع الصحي.
ولفت الى ان بعض شرائح الوافدين لن تستطيع التأقلم مع هذه القرارات ومنهم من سيلجأ الى تسفير عائلته والبقاء عازبا أما الكفاءات فلن تغادر لان رواتبها مجزية بعكس العامل البسيط مستدركا : لابد من ايجاد الحلول المناسبة للزيادات المقررة كأن تحصل بعض القطاعات على مميزات لحل هذه الاشكالية.
تضخم اقتصادي
اقتصاديا أكد استاذ الادارة والمالية العامة في جامعة الكويت د. يوسف المطيري ان الزيادات المزمع اقرارها على شريحة الوافدين من شأنها ان تشكل عبئا اضافيا عليهم فضلا عما سيترتب عليها من تضخم اقتصادي بما يؤثر على كافة القطاعات من مواطنين ووافدين وسيشعر الجميع بارتفاع تكاليف المعيشة بشكل لا يتحمله الانسان وبخاصة في ظل متوسط رواتب شريحة الوافدين.
وقال ان هذه الزيادة من شأنها ان تسبب مشكلات اقتصادية تؤدي الى عدم قدرة شريحة الوافدين على التأقلم وعلى استقرار العمالة بما يؤدي الى خسارة البلد كفاءات مهنية مميزة من الصعوبة تأهيل اخرى بديلة بذات المستوى كما ان هذه الزيادات ستؤدي الى ارتفاع اسعار خدمات القطاع الخاص بما يؤدي الى تضخم اقتصادي، فمثلا اذا كانت كلفة اصلاح السيارة عشرة دنانير ستصبح خمسة عشر بسبب زيادة الرسوم على الفني وايضا سيرتفع سعر العامل بما يؤدي الى تضخم بسبب ضعف القوة الشرائية للدينار لان الاسعار ستزيد مقابل ضعف القوة الشرائية للمواطن لان قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم ستضعف ومن المعروف ان هدم أي اقتصاد دائما ما يبدأ من التضخم فمثلا حينما ارتفعت اسعار الكهرباء والبنزين قابلها زيادة في اسعار معظم السلع لاعتمادها على النقل.
ولفت الى ان المردود الاقتصادي من القرار لن يكون مجزيا ويمكن الاستعاضة عنه بتقليص جوانب الهدر في بنود الموازنة كما لابد من معرفة الاثار المترتبة على القرارومعرفة تبعاته على الدولة وبخاصة في هذا التوقيت وفي ظل هجوم بعض النواب على شريحة الوافدين بما سيشعر الوافد ان المسألة لم تصبح فردية وهى رسائل اجتماعية سيئة في حين ينبغي ان يشعر الوافد وكأنه في بلده بما يتطلب اعادة دراسة القرار بحكمة وترو.
اضطراب العلاقة
اجتماعيا رأى استاذ علم النفس والاجتماع د.حسن الموسوي ان قرار زيادة الرسوم من شأنه ان يخلق حالة من الشعور بعدم الامان والاستقرار واضطرابا في العلاقة الاجتماعية والمهنية كما من شأنه ايضا ان يغير من نمط حياة الوافد بما ينعكس سلبا على حياة أفراد اسرته تعليميا وصحيا.
وقال ان الوافد سيضطر الى رفع سعر الخدمة التي يؤديها لتعويض زيادة الرسوم بما سينعكس على المواطن في النهاية لانه سيدفع مقابل الزيادة من جيبه كما قد تبحث شريحة من الوافدين عن وجهة عمل اخرى وتغادر البلاد بما يؤدي الى اضطراب في سوق العمل بما يؤثر على التنمية في البلاد وبالنهاية ربما تؤدي مثل هذه القرارات الى خلق حالة من عدم الانصاف في المجتمع بما يؤدي الى الفتن وتشويه صورة الكويت خارجيا.
الإصلاح بكج واحد
أكد د. أحمد المنيس على أهمية ان تكون مبررات القرار موضوعية ومنطقية فلا مانع من زيادة الرسوم مع اصلاح النظام الاقتصادي بشكل عام بكج واحد كما لابد ان تكون الزيادة مبررة بموجب دراسة لتبعات القرار خاصة وان الكويت لا زالت بحاجة الى الايدي العاملة في مختلف القطاعات، متسائلا هل هذه الزيادة وقفت على تبعات القرار، فاذا كانت بهدف دعم موازنة الدولة فالوافد حاله حال المواطن لابد ان تأتي بالتدرج اذ من المقلق ان يلجأ الوافد الى اساليب اخرى لتحسين دخله حتى يواجه الزيادة وان ذلك على حساب وقت عمله الاساس ومن ثم فمن المهم التدرج في الزيادة بحيث يمكن للوافد اتخاذ القرار السليم سواء بالتكيف مع الاوضاع أو مغادرة البلاد.
زيادة غير مجزية
رأى د. يوسف المطيري ان الزيادات المزمع اقرارها على شريحة الوافدين غير مجزية اقتصاديا بل ستنعكس على المواطن والوافد من خلال ارتفاع الاسعار كما ستؤدي الى هجرة معاكسة وهروب العمالة من البلاد في ظل ما تعاني منه الدولة من نقص في العمالة الفنية والعلمية بما فيها الاطباء والمهندسون والفنيون بمختلف تخصصاتهم بما سيؤدي الى خلل في تركيبة العمالة وما سيتبع ذلك من ارتباك الوضع العام بما يتطلب اعادة دراسة القرار وان يطبق بشكل عادل يراعي شرائح العمالة الوافدة لاسيما وان الوافدين سبق لهم ان تحملوا أعباء الزيادات الاخرى كالبنزين وما ترتب عليه من زيادة في الاسعار وبالتالي فهم شاركوا الجميع في الزيادات الاخرى ثم اختصوا بالزيادة المقررة على الرسوم الصحية وهو ما من شأنه ان يخلق حالة التحسس بين المواطن والمقيم اذ سيشعر الوافد انه مستهدف وكأن الدولة تريد تطفيشه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا رأيك